المطرقة والسندان لمصطلح شهير يُوضح أن شيئًا ما يقع بين قطعة صلدة من الحديد، ومطرقة قاسية تهوى عليه كل لحظة حتى تهشمه. فصناعة الأنمي متواجدة بين مطرقة الجودة وسندان التمويل، حيث تواجه العديد من المشاكل مثل إفلاس الأستوديوهات وغلقها، قلة الأيدي العاملة، وقلة عدد الحلقات لغياب الحافز المادي مقارنة بجودة العمل. سنناقش اليوم بموضوعية خطوات صناعة الأنمي وأسباب تلك المشاكل، وهي حقًا تُعتبر مشاكلًا بالمعنى الحرفي أم لا؟
خطوات صناعة الأنمي
1) مرحلة ما قبل الإنتاج
وفيها يجتمع المانجاكا، صاحب الرواية الخفيفة، أو فريق عمل الأستوديو. للاتفاق على فكرة الأنمي، طريقة وأسلوب سرد الفكرة عبر الحلقات، وبالطبع الجودة المطلوبة وبناء عليها يتم تحديد الميزانية المقترحة. ثم يتفقون على انتقاء الأنميتورز المناسبين جدًا للفكرة، لأن طل أنميتور متخصص في أسلوب معيّن، مثل رسم الآلات، الملابس، أو حتى المناظر الطبيعية.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
2) الإنتاج
هنا يجتمع المانجاكا مع فريق من الكتّاب ليؤكد على الخطوط العريضة لعمله. وبناء عليه يقوم الكتّاب بكتابة نص الحلقات في مسودة قابلة للمراجعة عدة مرات، حتى يستقرون على نصّ نهائي. ثم يأتي مُخرج الحلقات ليطالعه ويُعطي الارشادات الإخراجية مثل كيف يمكن أن تُعرض تلك النقطة المعينة وما وضع الكاميرا فيها. وفي النهاية يُعطي مُخرج العمل كله رأيه النهائي قبل أن ينتقل إلى مرحلة صناعة الستوري بورد.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
3) صناعة الستوري بورد
الستوري بورد عبارة عن عدة صفحات تحوي أوضاع مبسطة عن المشاهد والنصوص المرافقة لها. عادة من يقوم بها المُخرج العام لكن في الأغلب يستعين بآخرين. تأخذ صناعة الستوري بورد للحلقة العادية الطول حوالي ثلاثة أسابيع. حيث تنعقد فيها عدة اجتماعات مع صاحب الفكرة لمناقشة أمور خاصة بالقص واللزق، التحريف، أو تغيير في الرؤية العامة لمشهد معين. ثم يقوم المُخرج بتحويل الستوري بورد إلى Layout، وتكون مرحلة بسيطة يقوم فيها الفريق برسم خطوط بدائية على ورق الرسم الأساسي قبل الشروع في الرسم المفتاحي Key Animation.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
4) رسم الـKey Animation
وهي مرحلة تسبق الرسم الفعلي للأحداث، حيث يوجد أُناس متخصصون في رسم الأشكال المجسمة العامة للحركات أو تعابير الوجه، مما يساعد الأنميتور في عمله بشكل مهول.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
5) رسم الـAnimation
الآن الرسم الفعلي أتى! فيقوم الأنميتور برسم الأحداث على الورق، أو على الكمبيوتر. والشروع في تصور دمج الإطارات بشكل متتابع لتُعطي المشهد المطلوب. الأستوديوهات تحبذ حاليًّا العمل بالكمبيوتر في أغلب أعمالها، لكن بالرغم من ذلك يظل الرسم اليدوي هو الأفضل، بجانب أن الخطوط العريضة لرسم الكمبيوتر تأتي من رسومات يدوية بالفعل. ثم يتدخل «مخرج الرسم – Animation Director»، والذي يُعدّل بعض المواضع في الأنميشن، أو الأنميشن المفتاحي.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
6) رسم الـIn-between Animation
عندما تنتهي مرحلة الرسم الأساسية للأحداث يحدث أن توجد بعض الثغرات في انتقال المشهد من إطار لآخر. فللقضاء على تلك الثغرات وجعل المشهد أكثر سلاسة ومرونة، يوجد أشخاص يقومون بالـ«الرسم الوسطي» لضمان خروج العمل في أبهى صورة مرئية ممكنة.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
7) التصوير السينمائي – Filming
وهي المرحلة التي يتم فيها إدخال كل الرسومات إلى الكمبيوتر وجعلها في صورة ديجيتال قابلة للتعديل والتلوين والتحريك بشكل أكثر سلاسة. يتم فيها التلوين باحترافية وصنع الظلال، بمعنى أصح: تلك الخطوة “تنحت” العمل الفني واقعيًّا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
8) مرحلة ما بعد الإنتاج
وهي المرحلة الأخيرة التي يتم فيها تأجير الأشخاص المنوطين بتأدية الأدوار الصوتية، بجانب عدة عمليات من مزج الأصوات وإضافة عدة مؤثرات صوتية مناسبة للعمل. في النهاية يتم وضع الرتوش النهائية على كل العناصر السابقة وتعديل أي شيء يستحق ذلك. ثم يخرج العمل إلى النور بسلام. بالطبع بعد كل ذلك يوجد للتمويل يد في صناعة الأنمي، لكن هل التمويل مشكلة حقًا؟؟!
هل التمويل مشكلة حقًا؟
حسنًا، حسب إحصائيات كرانشي رول، تكلفة الحلقة الواحدة تدور في فلك 11 مليون ين ياباني، أي حوالي 145 ألف دولار أمريكي، وهي ميزانية مناسبة لإنتاج حلقة من ثلاثين دقيقة بشكل جيّد. لكن إذا سر وضعنا كل عناصر الصناعة السابقة تلك في الحسبان، سنجد أنا أغلب التمويل يذهب إلى عناصر غير مصيرية في صناعة الحلقات! فمثلًا الإنتاج يأخذ 2 مليون ين، الأداء الصوتي 1.2 مليون ين، و الأشياء الفرعية بالمنتصف أيضًا 1.2 مليون ين. بينما الأساسيات مثل كتابة النص والرسم بالكامل لا تتعدى الـ1.5 مليون ين فقط. قد يبدو كبيرًا من وجهة نظركم، لكن لنحلل الرسم بروية.
الحلقة المرئية عبارة عن «إطارات – Frames» متتابعة، كل إطار منهم يحوي المشهد كاملًا بشكل يتسق مع الذي يليه فيُعطي الصورة المتحركة. الحلقة لا تقل عن 5000 إطار مرسوم. وبالأسعار الحالية يتم حساب الإطار الواحد بـ220 ين، أي حوالي 3 دولار فقط!
فببساطة الأنميتور الأساسي الذي يقوم بالعمل كله من الصفر للقمة يأخذ مبلغًا ضئيلًا جدًا مقارنة بالعمل المضني الذي يقوم به حثيثًا. فلذلك تقل الأيدي العاملة وتنحدر جودة الرسم لأسفل بالتدريج. فلذلك نرى أنميات حالية تحمل حبكات ممتازة لكن جودة الرسم طعنتها في مقتل. والآن سنُعطي مثالين يحملان طابعين مختلفين لطريقتين مختلفتين لتطبيق سياسة عدم توافق التمويل مع الأيدي العاملة.
مثال 1
– Aku no Hana
المانجا أسلوب رسمها جميل جدًا ومناسب للأحداث، لذلك حققت شهرة لا بأس بها. لكن عند تطبيق نفس المانجا كأنمي، كانت النتائج مأساوية! في الأغلب كان يحاول الأستوديو تجريب أسلوب رسم جديد كي يقلل نفقات رسم التفاصيل الدقيقة، فعمد لأسلوب سطحي ومشوّه تمامًا كما ترون.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
مثال 2
– Attack on titan
هنا يُعتبر العملاق المهاجم –والذي يُعتبر الأنمي الأشهر في الفترة الأخيرة-، تطبيقًا حيًّا على قلة عدد الحلقات بسبب نقص الأيدي العاملة التي تتقاضى أجورًا لا تتناسب مع جودة الرسم الخارقة التي يجب عليهم تأديتها. فالأنمي مميز بأسلوب رسمه القوي واهتمامه بأدق التفاصيل. كان يمكن أن يكون الموسم الثاني منه 24 حلقة بدلًا من 12، لكن كان نقص الأيدي السبب.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
جملة شهيرة
وختامًا لتلك النقطة أقدم لكم كلمة مُمَثل منظمة صانعي الأنمي اليابانية، «أوسامو ياماساكي – Osamu Yamasaki»:
«منذ ثلاثين عامًا مضت كان يمكن القول أن الشخص الواحد يمكن له أن يرسم 1000 إطار بالشهر، لكن الآن إن كان يمكن رسم 500 فقط فهذا يُعتبر إنجازًا!»
المبيعات وتأثيرها على الصناعة
الأنمي يتم صرف الملايين على إنتاج الحلقة الواحدة منه، لأنهم يعلمون أن المردود سيكون كافيًا بكل تاكيد لتعويض ما أُنفق. حسب حسابات عام 2016 تُقدر الأرباح السنوية لصناعة الأنمي اليابانية بمقدار 18.3 ترليون ين، أي أزيد 12% عن العائد المادي للسنوات التي سبقتها. لكن ومع ذلك تكون تلك المبالغ موزعة على العديد من الأستوديوهات وفرق العمل، بل والمانجاكا أنفسهم أصحاب الأفكار والأحداث -بالطبع إن لم تكن الفكرة أصلية المنشأ-. هذه صورة توضح الرسوم البيانية التسويقية لترخيصات عرض وتداول الأنميات تجاريًّا على مستوى العالم. المستوى التوزيعي جيد والأرباح مناسبة، لكن من المفترض أن تكون الأرباح أكثر من ذلك بكثير.
إذن، فما الذي يحول دون تحقيق الأرباح المرجوّة؟!
1) القرصنة
الأنمي عندما يُعرض على تلفاز طوكيو المحلي لا تكون أرباحه بالمبلغ الذي يستحق ذكره، لذلك المبيعات الحقيقية تجنيها شركات الإنتاج من خلال بيع أقراص الـDVD والبلوراي التي تحوي الأنمي كاملًا على مواقع البيع والشراء مثل أمازون. لكن لكون الأنميات تُسجّل وتُترجم وتُقرصن للعامة مجانًا، ينخفض الإقبال على تلك الأقراص. حتى أن هناك من يشترونها ويصنعون منها نسخًا طبق الأصل ويضعونها للتحميل المجاني أيضًا. بجانب أن تلك القرصنة طغت على مواقع العرض المُوثُق للأنميات مثل كرانشي رول التي تشتري حقوق البث الأونلاين من الشركات. كل ذلك لم يقض تمامًا على سوق بيع الأقراص وشراء حقوق البث، لكنه قلل منه جدًا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
2) المنتجات الباهظة
طرق وأساليب الكسب من خلال الأنميات عديدة، ومنها بيع المنتجات التي لها علاقة محتوى الأنمي نفسه. مثل المجسمات، الميداليات، والبوسترات الخاصة بأبطال الأحداث. بجانب مئات المنتجات الفرعية مثل زجاجات المياه وأدوات غرف النوم وكل ما يجعل الحياة اليومية ذات طابع ياباني، أنمياتي محبب. مشكلة أغلب تلك المنتجات أنها باهظة الثمن بالنسبة للقيمة العملية العائدة منها، لذلك الإقبال عليها لا يحقق دخلًا قويًّا.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
3) الترويج المُكلِّف
عرض الأنميات على تلفاز طوكيو لا يحقق الدعاية المطلوبة لدعم العمل الفني، لذلك تعمد شركات الإنتاج لتأجير المسارح الباهظة وعمل عروض ترويجية كبيرة وضخمة ودفع أجور فرق الغناء. والتي بالطبع تتضمن أجور العاملين بها، بجانب أموال صنع المجسمات المهولة لتوفير الدعم البصري-المادي التجسيدي للجمهور. بالإضافة إلى إعلانات على المحطات التلفزيونية والإذاعية بداخل اليابان وخارجها.
ناقشنا خطوات صناعة الأنمي ببساطة، وكيف يمكن للتمويل أن يؤثر عليها سلبًا أو إيجابًا. لذلك يمكن القول أن صناعة الأنمي متأرجة بين الجنة والجحيم للوقت الحاضر، وأنا مستقبلها لمشارك لها في نفس التأرجح. أرجو أن يكون الموضوع قد نال إعجابكم، ونراكم في مواضيع أخرى على جيك بوست.
#المصادر:
1 – http://www.crunchyroll.com/anime-news/2011/10/30-1/how-much-does-one-episode-of-anime-cost-to-make
2 – http://aja.gr.jp/english/japan-anime-data