اليوم أكتب لكم مراجعة ويدي حقًا تتلاحق بين أصابعها الحروف بشكل يعجز فيه عقلي المُلبد الأفكار عن مُجاراتها في السرعة. فاليوم لن نتحدث عن عمل فني مُتلفز عادي، ففي العادة ما نتحدث عن الأفلام والمسلسلات والأنميات بشكل يُعطي لها الهالة التي تستحقها في الوسط الفني. لكن عمل اليوم له هالته الطاغية والتي فرضها على المُشاهدين بقوة، سواء بقوة الحبكة، رصانة التمثيل، أو الأجواء الضبابية المذهلة! اليوم معنا مسلسل مُكون من ثلاثة أجزاء ويُعتبر أروع الأعمال التي تناقش النفس البشرية بشكلٍ ينزع الستار عن الجوانب الأشد ظلمة بها. وأيضًا تتخطى أغلب حلقاته التقييم 9 على موقع التقييمات الشهير IMDB! فهيا بنا لا نُكثر الحديث في المقدمة، ونتحدث مباشرة عن المسلسل الرائع Hannibal!
القصة
القصة تتحدث عن المُحقق ويل جراهام، والذي سيتبين لاحقًا أن لديه مشاكل واعتلالات نفسية شديدة نتيجة قدرته الفائقة على إعادة بناء مسارح الجريمة من الصفر في ذهنه والمساعدة في القبض على أشد المجرمين حنكة وبراعة. ذلك المُحقق الذي عمد إلى تدريس كيفية تفكير المجرمين والقتلة السيكوباتيين بمعهد الشرطة للضباط نظرًا لعدم سواء انفعالاته، تأتي إليه شخصية بوليسية مرموقة في بذلة سوداء أنيقة، وتلك الشخصية هي السيد جاك كروفورد ويطلب منه العودة للميدان. وكي يضمن ألّا يُصاب ويل بالتضطرابات نفسية عنيفة، فيستعين بطبيب نفسي يُدعى «هانيبال ليكتر» كي يُتابع التقدم المرضي لدى ويل أثناء تأديه واجبه كمحقق خاص وفريد من نوعه. لكن تحدث اضطرابات غريبة لدى ويل عند بداية عمله مُجددًا بمسارح الجرائم، وهنا يتدخل دكتور هانيبال كي يجعل ويل الدمية التي يحركها من خلف الستار. كيف؟ تابع لتعلم تفاصيل هذه الحبكة المذهلة!
انطباع عن القصة
المميز بالقصة فعلًا هو الوتيرة الغير متسارعة على الإطلاق، والتي مع ذلك لا تبعث عن الملل وهذا هو الغريب بحق. الكاتب استطاع أن يجعل الأحداث غامضة وهادئة إلى أقصى حد، وهو يسحب خيوط الحدث خلف الآخر برشاقة وبراعة منقطعتي النظير. بجانب أن بداخل تلك الأحداث يُسلط الكاتب الضوء على العديد من التناقضات النفسية الشديدة وكيف يمكن أن يتم التحكم بالأفكار، بل خلقها من العدم في بعض الأحياء. وكيف لتلك الأفكار المُختلقة أن تُغير في طيات النفس ذاتها وتحولها من ملاك إلى شيطان والعكس. وهذه إحدى الرسائل التي يُريد الكاتب إيصالها عبر الأحداث: الأفكار تصنع وتُصنع، وفي أغلب الأحيان تتغلب الأولى على الأخيرة بشكلٍ مفاجئ وغير سار بالمرة.
وأيضًا الكاتب يُناقش العديد من القضايا الحياتية التي يكون لها مردود ورد فعل عكسي على البشر أنفسهم، وكيف لتلك المشاكل أن تكون المُحرك والدافع الأساسي لاقتراف أبشع الجرائم. وأيضًا الأشد تميزًا بالحبكة هو عدم وجود فلسفة الحلال والحرام والصواب والخطأ، كلها مصطلحات تبدو في الظاهر متناقضة، لكن في الباطن كلها تخدم شيئًا واحدة، النزعة البشرية نحو الكمال! فالنفس تسعى كي تكون كاملة من كل جانب، وهذا ما يُميز نفسًا عن الأخرى. فواحدة تسعى لدحر كل شيء كي تكون هي الناجية الوحيدة، وأخرى تسعى لخلق عالم تسوده المحبة كي يُعزى إليها الفضل في ذلك، وهناك تلك النفس الأخيرة التي تفعل الذي يجعلها سعيدة مهما كان ذلك مُشينًا أو مناقضًا لفضائل الأخلاق. وهذه النفس الأخيرة هي التي يكون لديها مفاهيم ووجهات نظر مختلفة تمامًا تجاه كل شيء وأي شيء، وتلك هي النفس الذي جسّدها الكاتب في الطبيب الدموي الراقي، هانيبال ليكتر! وأيضًا هي ذاتها النفس التي يُحاول أن يفرضها هانيبال على ويل طوال مسار الأحداث حصرًا.
الشخصيات:
الشخصيات، ويا ويلي من الشخصيات! ما هذه العبقرية! أغلب الشخصيات في محلها ومُتقاطعة مع بعضها البعض بشكل رائع! حتى تلك التي تختص بمدلول الحلقة الواحدة، أي أنها تظهر لتخدم قصة حلقتها الخاصة ثم تختفي، تلك تترك انطباعًا خفيًّا أو أثرًا ماديًّا لها في سائر الحلقات الأخرى. مما يخدم الهدف الرئيسي من الأحداث، وهو إدخال ويل جراهام رويدًا رويدًا إلى عالم دكتور هانيبال المُظلم والمجهول الطيات والدوافع. شخصيات محبوكة فعلًا.
التمثيل:
حسنًا، حسنًا، حسنًا، هنا لنا وقفة بكل تأكيد. هانيبال ليكتر، والذي يقوم بدوره الممثل Mads Mikkelsen. تلك الشخصية، وذلك التمثيل لحقًا يستحق الإشادة والتصفيق وكل شيء ممكن تقدرًا لذلك المجهود المضني في صوغ هذا الكيان الاحترافي كل تفصيلة، والمميز إلى أقصى حد من عدة نواحٍ. وهذا الدور والأداء الرائع يجب ألّا يُنسينا الأداء التصاعدي الاحترافي من قبل Hugh Dancy الذي قام بدور ويل جراهام باحترافية شديدة وجسّد تغيّرًا تدريجيًّا في الطباع مع كل موسم، بل مع كل حلقة تمر بشكل باهر. بجانب الأداء الذي تدرج من السيء، وحتى المتوسط في الشخصيات الثانوية جمعاء، والتي بالطبع يوجد على رأسها المحقق جاك كروفورد.
الإخراج:
الإخراج من وجهة نظري ليس عليه أي مُلاحظات ذات ذكر وأهمية. بالعكس، فالإخراج كان مميزًا جدًا على صعيد إبراز تعابير الأوجه أو أوضاع الإضاءة التي تتسق وتتوافق مع الحالة النفسية للشخصية الرئيسية بالمشهد.
الموسيقى:
الموسيقى بشكل عام كانت مستترة بشكل يتلائم مع الغموض العام لأغلب مشاهد المسلسل، وإن كانت مشاهد كثيرة تخلو من الموسيقى التصويرية من الأساس وتعتمد على الحوار بين الشخصيات. والذي احيانًا ما يكون حوارًا صامتًا حيث تتحدث فيه الظُلمة والأجواء المُحيطة بالشخصيات فقط.
رأي شخصي
من أجمل المسلسلات التي قد تشاهدها في حياتك بلا شك!
التقييم العام: 10/9
أتمنى أن تكون المراجعة قد نالت رضاكم، ونراكم في مواضيع ومراجعات أخرى على جيك بوست!